فصل: قتل ياسف اليهودي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.سنة ست ومائة وألف:

وقصر مد النيل تلك السنة وهبط بسرعة فشرقت الأراضي ووقع الغلاء والفناء. وفي شهر الحجة سافر أناس من مكة إلى دار السلطنة وشكوا من ظلم الشريف سعد، فعين إليه محمد بك نائب جدة وإسمعيل باشا نائب الشام فوردا بصحبة الحاج، فتحاربوا معه ونزعوه ونهب العسكر منزله وولوا الشريف عبد الله بن هاشم على مكة، ثم بعد عود الحاج رجع سعد وتغلب وطرد عبد الله بن هاشم. وفي هذه السنة وقعت مصالحات في المال الميري بسبب الري والشراقى. وفي ثاني عشر جمادى الآخرة حضر الشريف أحمد بن غالب أمير مكة مطروداً من الشريف سعد. وفي ثامن عشر رجب سنة ألف ومائة وستة ورد الخبر بجلوس السلطان مصطفى بن محمد. وفي ثاني عشر شعبان طلع أحمد بك بموكب مسافر اباش على ألف عسكري إلى انكروس، وطلع بعده أيضا في سابع عشرينه إسمعيل بك بألف عسكري، لمحافظة رودس بموكب إلى بولاق، فأقام بها ثلاثة أيام ثم سافر إلى الإسكندرية.
وفي رابع شعبان ورد مرسوم بضبط أموال نذير آغا وإسمعيل آغا الطواشيين فسجنوهما بباب مستحفظان وضبطوا أموالهما وختموها.
وفي خامس شوال أنهى أرباب الأوقاف والعلماء والمجاورون بالأزهر إلى علي باشا امتناع الملتزمين من دفع خراج الأوقاف وخراج الرزق المرصدة على المساجد، وما يلزم من تعطيل الشعائر، فأمر الملتزمين بدفع ما عليهم من غير توقف فامتثلوا.
وفي شوال أرسل الباشا إلى مراد بك الدفتردار بعمل جمعية في بيته بسبب غلال الانبار، فاجتمعوا وتشاوروا في ذلك، فوقع التوافق أن البلاد الشرقي تبقى غلالها إلى العام المقبل، وأما الري فيدفع ملتزموها ما عليهم. وأخذوا أوراقا بيعت بالثمن اشتراها الملتزمون من أرباب الاستحقاق عن الجراية مائة وخمسون نصفاً، وغلق الملتزمون ما عليهم بشراء الوصولات.
وفي ثاني عشر شوال ورد الخبر من منفلوط بان الشريف فارس بن إسمعيل التيتلاوي قتل عبد الله بن وافي شيخ عرب المغاربة.
وفي حادي عشر القعدة ورد آغا بمرسوم بمبيع متاع نذير آغا وإسمعيل آغا المعتقلين وضبط أثمانها، ما عدا الجواهر والذخائر التي اختلسوها من السرايا فأنها تبقى بأعيانها وأن يفحص عن أموالهما وأماناتهما وأن يسجنا في قلعة الينكجرية، ففعل بهم ذلك، وبلغ أثمان المبيعات ألفا وأربعمائة كيس، خلاف الجواهر والذخائر فأنها جهزت مع الأموال صحبة الخزينة على يد سليمان بك كاشف ولاية المنوفية.

.سنة سبع ومائة وألف:

وفي منتصف المحرم اجتمع الفقراء والشحاذون رجالاً ونساءً وصبياناً وطلعوا إلى القلعة ووقفوا بحوش الديوان وصاحوا من الجوع، فلم يجبهم أحد، فرجموا بالأحجار. فركب الوالي وطردهم، فنزلوا إلى الرميلة ونهبوا حواصل الغلة التي بها ووكالة القمح وحاصل كتخدا الباشا وكان ملآناً بالشعير والفول، وكانت هذه الحادثة ابتداء الغلاء حتى بيع الاردب القمح بستمائة نصف فضة، والشعير بثلاثمائة، والفول بأربعمائة وخمسين، والأرز بثمانمائة نصف فضة، وأما العدس فلا يوجد. وحصل شدة عظيمة بمصر وأقاليمها وحضرت أهالي القرى والأرياف حتى امتلأت منهم الأزقة واشتد الكرب حتى أكل الناس الجيف ومات الكثير من الجوع، وخلت القرى من أهاليها، وخطف الفقراء الخبز من الأسواق ومن الأفران ومن على رؤوس الخبازين. ويذهب الرجلان والثلاثة مع طبق الخبز يحرسونه من الخطيف وبأيديهم العصي حتى يخبزوه بالفرن ثم يعودون به. واستمر الأمر على ذلك إلى أن عزل علي باشا في ثامن عشر المحرم سنة سبع ومائة ألف.
وورد مسلم إسمعيل باشا من الشام وجعل إبراهيم بك أبا شنب قائمقام، ونزل علي باشا إلى منزل أحمد كتخدا العزب المطل على بركة الفيل، فكانت مدته أربع سنوات وثلاثة أشهر وأياماً، ثم تولى إسمعيل باشا وحضر من البر وطلع إلى القلعة بالموكب على العادة في يوم الخميس سابع عشر صفر، فلما استقر في الولاية ورأى ما فيه الناس من الكرب والغلاء، أمر بجميع الفقراء والشحاذين بقراميدان، فلما اجتمعوا أمر بتوزيعهم على الأمراء والأعيان، كل إنسان على قدر حاله وقدرته، وأخذ لنفسه جانبا ولأعيان دولته جانباً، وعين لهم ما يكفيهم من الخبز والطعام صباحاً ومساءً، إلى أن انقضى الغلاء وأعقب ذلك وباء عظيم، فأمر الباشا بيت المال أن يكفن الفقراء والغرباء فصاروا يحملون الموتى من الطرقات ويذهبون بهم إلى مغسل السلطان عند سبيل المؤمن، إلى أن انقضى أمر الوباء، وذلك خلاف من كفنه الأغنياء وأهل الخير من الأمراء والتجار وغيرهم، وانقضى ذلك في آخر شوال. وتوفي فيه الشيخ زين العابدين البكري، وإبراهيم بك ابن ذي الفقار أمير الحاج وغيرهما.
ولما انقضى ذلك عمل الباشا مهما عظيما لختان ولده إبراهيم بك، وختن معه ألفين وثلاثمائة وستة وثلاثين غلاما من أولاد الفقراء، ورسم لكل غلام بكسوة كاملة ودينار.
وورد مرسوم بمحاسبة علي باشا المنفصل فحوسب، فطلع عليه ستمائة كيس، فختموا منزله وباعوا موجوداته حتى غلق ذلك. وورد أمر بالزينة بسبب نصره فزينت المدينة وضواحيها ثلاثة أيام.
وفي رجب ورد مرسوم بطلب ألفين من العسكر وأميرهم مراد بك فلبس الخلع هو وأرباب المناصب وسافروا في حادي عشر شعبان. وفي سابع عشر رجب سنة سبع ومائة وألف تقلد قيطاس بك تابع أمير الحاج ذي الفقار بك الصنجقية عوضا عن ابن سيده إبراهيم بك، وورد الإفراج عن نذير آغا ورتب له خمسمائة عثماني وخمس جرايات وعشر علائف في ديوان مصر، واستمر رفيقه إسمعيل آغا في السجن. وفي رابع رجب ورد أحمد بك من السفر وفي سابعه تقلد أيوب بك إمارة الحج. وفي ثاني شعبان ورد إسمعيل راجعا من السفر.

.سنة ثمان ومائة وألف:

وفي ثالث عشر ربيع الأول ورد أمر بتزيين أسواق مصر سروراً بمولود للسلطان وسمي محموداً. وورد أيضا الخبر باستشهاد مراد بك.

.قتل ياسف اليهودي:

وفي ثالث عشر رمضان من السنة قامت العساكر على ياسف اليهودي. قتلوه وجروه من رجله وطرحوه في الرميلة، وقامت الرعايا فجمعوا حطباً وأحرقوه، وذلك يوم الجمعة بعد الصلاة. وسبب ذلك أنه كان ملتزماً بدار الضرب في دولة علي باشا المنفصل، ثم طلب إلى اسلامبول وسئل عن أحوال مصر فأملى أموراً والتزم بتحصيل الخزينة زيادة عن المعتاد، وحسن بمكره أحداث محدثات، ولما حضر مصر تلقته اليهود من بولاق واطلعوه إلى الديوان وقرأت الأوامر التي حضر بها ووافقه الباشا على أجرائها وتنفيذها. وأشهر النداء بذلك في شوارع مصر فاغتنم الناس وتوجه التجار وأعيان البلد إلى الأمراء وراجعوهم في ذلك فركب الأمراء والصناجق وطلعوا إلى القلعة، وفاوضوا الباشا فجادلهم بما لا يرضيهم فقاموا عليه قومة واحدة، وسألوه أن يسلمهم اليهودي فامتنع من تسليمه، فاغلظوا عليه وصمموا على أخذه منه فأمرهم بوضعه في العرقانة ولا يشوشوا عليه حتى ينظروا في أمره، ففعلوا به كما أمرهم، فقامت الجند على الباشا وطلبوا أن يسلمهم اليهودي المذكور ليقتلوه فامتنع، فمضوا إلى السجن وأخرجوه وفعلوا به ما ذكر.
وفي تاريخه، أحضر الباشا الشيخ محمد الزرقاني أحد شهود المحكمة بسبب أنه كتب حجة وقف منزل آل إلى بيت المال، فأمر بحلق لحيته وتشهيره على جمل في الأسواق، والمنادي ينادي عليه: هذا جزاء من يكتب الحجج الزور. ثم أمر بنفيه إلى جزيرة الطينة.
وفي صفر وردت سكة دينار عليها طرة، فجمع الباشا الأمراء وأحضر أمين الضربخانة وسلمها له، وأمره أن يطبع بها وأن يكون عيار الذهب اثنين وعشرين قيراطا، والوزن كل مائة شريفي مائة وخمسة عشر درهما، وسعر أبي طرة مائة وخمسة عشر نصفاً.
وفي ذلك الشهر لبس عبد الرحمن بك على ولاية جرجا وتوجه إليها. وفي ثاني عشر ربيع الأول قامت العسكر المصرية وعزلوا الباشا، فكانت مدة إسمعيل باشا سنتين، وتقلد مصطفى بك قائمقام مصر إلى أن حضر حسين باشا من صيدا وطلع إلى القلعة في موكب عظيم.

.سنة تسع ومائة وألف:

في منتصف رجب ورد مرسوم بطلب تجهيز ألفي نفر من العسكر وعليهم يوسف بك المسلماني، فقضى أشغاله وسافر في تاسع عشر رمضان.
وفي منتصف شهر ذي الحجة خرج إسمعيل باشا إلى العادلية ليسافر. وكان قد حاسبه حسين باشا، فتأخر عليه خمسون ألف اردب دفع عنها خمسين كيساً، وباع منزله وبلاد البدرشين التي كان قد وقفها، وتوجه إلى بغداد.

.سنة عشر ومائة وألف:

في سنة عشر ومائة وألف أخذ أرباب الاستحقاقات الجراية والعلائف بثمن عن كل أردب قمح خمسة وعشرون نصفاً فضة، وكل رادب شعير ستة عشر نصفاً.
وفي آخر جمادى الثانية ظهر رجل من أهل الفيوم يدعى بالعليمي قدم إلى القاهرة وأقام بظهر القهوة المواجه لسبيل المؤمن فاجتمع عليه كثير من العوام وادعوا فيه الولاية، وأقبلت عليه الناس من كل جهة، واختلط النساء بالرجال، وكاد يحصل بسببه مفاسد عظيمة. فقامت عليه العسكر وقتلوه بالقلعة ودفن بناحية مشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها.
وفي رابع عشر شوال كانت واقعة المغاربة من أهل تونس وفاس، وذلك أن من عادتهم أن يحملوا كسوة الكعبة التي تحمل كل سنة للبيت الحرام ويمرون بها في وسط القاهرة، وتحمل المغاربة جانباً منها للتبرك بها، ويضربون كل من رأوه يشرب الدخان في طريق مرورهم. فرأوا رجلاً من اتباع مصطفى كتخدا القازدغلي، فكسروا إنبوبته وتشاجروا معه وشجوا رأسه، وكان في مقدمتهم طائفة منهم متسلحون وزاد التشاجر واتسعت القضية وقام عليهم أهل السوق. وحضر أوده باشة البوابة فقبض على أكثرهم ووضعهم في الحديد وطلع بهم إلى الباشا، وأخبروه بالقضية، فأمر بسجنهم بالعرقانة. فاستمروا حتى سافر الحج من مصر ومات منهم جماعة في السجن ثم أفرج عن باقيهم.

.سنة إحدى عشرة ومائة وألف:

ثم تولى قره محمد باشا، وحضر إلى مصر منتصف ربيع الثاني سنة إحدى عشرة ومائة وألف، وهو كتخدا إسمعيل باشا المتقدم ذكره.

.سنة أربع عشرة ومائة وألف:

وفي أيامه سنة أربع عشرة حصلت حادثة الفضة المقصوصة والتسعيرة، وسيأتي خبر ذلك في ترجمة علي آغا مستحفظان.

.سنة خمس عشرة ومائة وألف:

وفي سنة خمس عشرة وردت الأخبار بوفاة السلطان مصطفى وجلوس السلطان أحمد بن محمد خان في سابع عشر ربيع الآخر منها، وأمر الباشا بقطع سقائف الدكاكين لأجل توسعة الطرق والأسواق، ففعل ذلك، ثم أمر بقطع الأرض وتمهيدها، فحفروا نحو ذراع أو أكثر من الأسواق ففعل ذلك. ثم أمر بقطع الأرض إلى أن كشفت الجدران. ومكث محمد باشا والياً بمصر خمس سنوات إلى أن عزل في شهر رجب سنة ست عشرة ومائة وألف. ومن مآثره تعمير الأربعين الذي بجوار باب قراميدان وأنشأ فيه جامعاً بخطبة وتكية لفقراء الخلواتية من الاروام، وأسكنهم بها وأنشأ تجاهها مطبخاً ودار ضيافة للفقراء وفي علوها مكتبا للأطفال يقرؤون فيه القرآن، ورتب لهم ما يكفيهم. وأنشأ فيما بينها وبين البستان المعروف بالغوري حماماً فسيحاً مفروشاً بالرخام الملون، وجدد بستان الغوري وغرس فيه الأشجار، ورمم قاعة الغوري التي بالبستان وعمر بجوار المنزل سكن أميراخور، وبنى مسطبة عظيمة برسم إلباس القفاطين وتسليم المحمل لأمير الحج وأرباب المناصب، وعمر مسطبة يرمى عليها النشاب، وأنشأ الحمام البديع بقراميدان، ونقل إليه من القلعة حوض رخام صحن قطعة واحدة أنزلوه من السبع حدارات وعملوا به فسقية في وسط المسلخ، وعمر بالقرافة مقام سيدي عيسى بن سيدي عبد القادر الجيلاني، وجعل به فقراء مجاورين، ورتب لهم ما يكفيهم وأنشأ صهريجاً بداخل القلعة بجوار نوبة الجاويشية، ورتب فيها خمسة عشر نفراً يقرؤون القرآن كل يوم بعد الشمس، وهو الذي تسبب في قتل عبد الرحمن بك حاكم جرجا لحزازة معه من أجل مخدومه إسمعيل باشا، وسيأتي تتمة ذلك في خبره عند ذكر ترجمته.
وتولى رامي محمد باشا وكان تولى الوزارة في زمن السلطان مصطفى وانفصل عنها وجعل محافظاً بجزيرة قبرص ثم حضر منها والياً على مصر، فطلع إلى القلعة في يوم الاثنين سادس شعبان سنة ست عشرة ومائة وألف.

.سنة سبع عشرة ومائة وألف:

وفي سبع عشرة تقلد قيطاس بك إمارة الحج عوضاً عن أيوب بك. وفي تلك السنة توقف النيل عن الزيادة فضج الناس وابتهلوا بالدعاء وطلب الاستسقاء، واجتمعوا على جبل الجيوشي وغيره من الأماكن المعروفة بإجابة الدعاء، فاستجاب الله لهم في حادي عشر توت وشذ ذلك من النوازل، فروى بعض البلاد، وهبط سريعاً فحصل الغلاء وبلغ سعر الاردب القمح مائتين وأربعين فضة، والفول كذلك والعدس مائتي نصف فضة، والشعير مائة نصف فضة، والأرز أربعمائة نصف فضة الاردب وبيع اللحم الضاني كل رطل بثلاثة أنصاف فضة والجاموسي والبقري بنصفي فضة، والسمن القنطار بستمائة نصف فضة، والزيت بثلاثمائة وخمسين، والدجاجة بثمانية أنصاف. وعلى هذا فقس والبيض كل ثلاث بيضات بنصف والرطل الشمع الدهن بثمانية أنصاف، وكثر الشحاذون في الأزقة.

.سنة ثمان عشرة ومائة وألف:

وفي سنة ثمان عشرة لم يأت من اليمن ولا من الهند مراكب فشح القماش الهندي، وغلا البن حتى بلغ القنطار ألفين وسبعمائة وخمسين نصفاً، وغلا الشاش فبيع الفرحات خان بأربعمائة نصف فضة، والخنكاري بسبعمائة نصف.
وفي سادس رجب عزل محمد باشا وحضر مسلم علي باشا.
وفي تاسعه نزل محمد باشا من القلعة في موكب عظيم وسكن بمنزل أحمد كتخدا العزب سابقاً المطل على بركة الفيل بالقرب من حمام السكران. ووصل علي باشا من طريق البحر وذهبت إليه الملاقاة على العادة، وأرسى بساحل بولاق يوم الاثنين تاسع شعبان، وهو في نحو ألف ومائتي نفس خلاف الأتباع.
وفي ثاني عشر شعبان سنة ثمان عشرة ركب بالموكب وطلع إلى القلعة وضربوا المدافع لقدومه.
وفي أواخر هذا الشهر وقعت فتنة بين العزب والمتفرقة، وسببها إن شخصاً من تلك العزب يسمى محمد أفندي كاتب صغير سابقاً ثم بعد عزله تولى خليفة في ديوان المقابلة، وحصل له تهمة عزل بها من المقابلة، ثم عمل سردار بالإسكندرية على طائفة العرب، وعمل كتخدا القبودان وركب في المراكب، وأشيع أنه غرق في البحر، فحلوا اسمه وماله من التعلقات في بابه وغيره. وبعد مدة حضر إلى مصر وطلع إلى الديوان وصحح اسمه الذي في العزب وجراياته وتعلقاته، وبقي له بعض تعلقات لم يقدر على خلاصها ولم يساعده أهل بابه وأهملوا أمره، فتغير خاطره منهم وذهب إلى بلك المتفرقة وانضم إليهم وسألهم أن يخرجوه من العزب ويدخلوه فيهم، وجعل يركب معهم كل يوم للديوان ويمر على باب العزب. فبينما هو ذات يوم طالع إلى الديوان إذ وقف له جماعة من العزب وقبضوا على لجام فرسه وأنزلوه من على فرسه وحبسوه في بابهم. وبلغ الخبر المتفرقة وهم في الديوان وحضر محمد أمين بيت المال في العزب، وكان في ذلك اليوم نائباً عن باش جاويش لتمرضه. فعاتبه جماعة المتفرقة على ما فعله جماعته فاغلظ عليهم في الجواب، فقبضوا عليه من أطواقه وأرادوا ضربه، فدخل بينهم المصلحون وخلصوه من أيديهم. فنزل إلى باب العزب وأخبرهم بما فعله المتفرقة فاجتمعت طائفة العزب ووقفوا على بابهم، فلما مر عليهم اثنان من جماعة المتفرقة نازلين إلى منازلهم، وهما محمد الابدال وصاري علي، فلما حاذياهم هجم عليهما طائفة العزب هجمة واحدة وضربوهما ضرباً مؤلماً وأنزلوهما عن الخيل وشجوهما، ونهبوا ما على الخيل من العدد، واخذوا ما عليهما من الملبوس. فلما وصل الخبر للمتفرقة اجتمعوا مع بقية الوجاقات وقعدوا في باب الينكجرية وأنهوا أمرهم إلى الأغوات والصناجق وأهل الحل والعقد، واستمروا على ذلك ثلاثة أيام إلى أن وقع التوافق على إخراج أربعة أنفار الذين كانوا سبباً لإشعال نار الفتنة، ونفيهم من مصر، وهم أحمد كتخدا العزب ومحمد أمين بيت المال، والشريف محمد باش أوده باشه، ومحمد أفندي قاضي أوغلي الذي كان الباعث على ذلك، فوافق على ذلك الجميع وصمموا عليه فسفروهم إلى جهة الصعيد.
وفي ثاني شهر الحجة عزل علي آغا مستحفظان وتولى عوضه رضوان آغا كتخدا الجاوشية سابقاً، وركب بالشعار المعلوم وقطع ووصل وأمر أهل الأسواق أن يدفعوا الأرطال في دار الضرب بالدمغة السلطانية. وجعلوا على كل دمغة نصف فضة فتحصل من ذلك مال له صورة.

.سنة تسع عشرة ومائة وألف:

وفي سابع عشر المحرم سنة تسع عشرة ومائة وألف توفي إسمعيل بك الدفتردار وولي أيوب بك عوضه وهو الذي كان أمير الحاج سابقاً.
وفي سادس صفر ورد مرسوم من السلطان أحمد بأن يكون عيار الذهب اثنين وعشرين قيراطاً، وكانوا يقطعونه على ستة عشر.
وفي يوم الخميس ورد أمر بحبس محمد باشا الرامي وبيع كامل ما يملكه من متاع ملبوس وغيره، فحبس بقصر يوسف صلاح الدين وأبطال والي البحر الذي يتولى من باب العزب. وفيه وصل الحجاج وقد تأخروا إلى نصف صفر بسبب دخول مراكب الهند وشراء ما بها من الأقمشة. وفي شهر ربيع حبس جماعة من أتباع الباشا وهو الكتخدا والخازندار وغيرهم من أرباب الكلمة.
وفي ثامن عشر جمادى الآخرة تقلد إبراهيم بك الدفتردارية عوضاً عن أيوب بك بموجب مرسوم سلطاني، وفيه عزل رضوان آغا مستحفظان وتولى أحمد آغا ابن بكير أفندي عوضاً عنه. وفيه ورد أمر بأبطال نوبة محمد باشا ونفيه إلى جزيرة رودس، فنزل من يومه إلى بولاق وأقام بها إلى أن سافر.
وفي أوائل رجب ورد أمر بعزل علي باشا وحبسه في قصر يوسف واستخلاص ما عليه من الديون إلى تجار اسلامبول، وجعل إبراهيم بك قائمقام، وحبس علي باشا وبيعت موجوداته، وفيها وقعت فتنة بباب الينكجرية، فعزلوا إفرنج أحمد باشا أوده باشا وحسين أوده باشا ثم نفوهم إلى الطينة بدمياط.
ووردت الأخبار بولاية حسين باشا على مصر وقدومه إلى الإسكندرية فقدم إلى مصر في ثالث عشري شعبان سنة تسع عشرة. وفيه سافر الشريف يحيى بن بركات إلى مكة بمرسوم سلطاني. وفيه فر إفرنج أحمد أوده باشا وحسين آغا من حبس الطينة ودخلا مصر ليلاً فاختبآ عند آغات الجراكسة والتجأ حسين إلى باب التفكجبة.
وفي خامس عشرينه طلع حسين باشا إلى القلعة بالموكب المعتاد على العادة.
وفي سادس عشرينه أجتمع الينكجرية بالباب بأسلحتهم لما بلغهم قدوم إفرنج أحمد إلى مصر، وقالوا لابد من نفيه ورجوعه إلى الطينة فعاند في ذلك طائفة الجراكسة وامتنعوا من التسليم فيه، وقالوا: لابد من نقله من وجاقكم. وساعدهم بقية البلكات، ولم يوافق الينكجرية على ذلك، ومكثوا ببابهم يومين وليلتين، وكذلك فعل كل بلك ببابه. فاجتمع كل العلماء والمشايخ على الصناجق والأعيان وخاطبوهم في حسم الفتنة، فوقع الاتفاق على أن يجعلوه صاحب طبلخانة، وأرسلوا له القفاطين مع كتخدا الباشا وأرباب الدرك، وأحضروه إلى مجلس الآغا وقرؤوا عليه فرمان الصنجقية وأن خالف يكون عليه بخلاف ذلك، فامتثل الأمر ولبس الصنجقية، وطلع من منزل آغات الجراكسة بموكب عظيم إلى منزله ونزل له الصنجق السلطاني والطبلخانة في غايته.
ومن الحوادث أنه حضر كتخدا حسين باشا المذكور من طريق البحر بأوامر منها تحرير عيار الذهب على ثلاثة وعشرين قيراطاً، وأن يضربوا الزلاطة والعثامنة التي يقال لها الاخشاءة بدار الضرب، واحضر معه سكة لذلك، فامتنع المصريون من ذلك ووافقوا على تصحيح عيار الذهب فقط. وفي شهر شوال حضر آغا بمرسوم ببيع موجودات علي باشا المسجون فباعوها بالمزاد بالديوان.
وفي شهر الحجة ورد آغا بطلب خازندار إبراهيم بك الدفتردار وسببه أنه أنهى إلى السلطان أن خليل الخازندار المذكور أتاه رجل دلال بقوس فصار يجذبها ويتصرف فيها، وكان بجانبه رجل من العثمانيين، فأخذ القوس من يد خليل المذكور وأراد جذبها فلم يستطع، فتعجب من قوة خليل المذكور وأخذ منه القوس وسافر بها إلى الديار الرومية ليمتحن بها أهل ذلك الفن، فلم يقدر أحد على جذبها وأتصل خبرها بالسلطان فطلبها لجذبها فلم يستطع، فتعجب من صعوبتها فقال له الرجل أن بمصر مملوكاً عند إبراهيم بك أوترها وصار يجذبها حتى تجمع طرفاها، وعنده أيضاً مكحلة ثلاثون درهماً يرمي بها الهدف، وهو رامح على ظهر الحصان، فأمر السلطان بإحضاره فجهزه إبراهيم بك وأرسله.